بلفور 100 سنة في: إرث بريطانيا الاستعماري

بقلم/ :
إننا نعيش في عالم خطير.
 هذا هو الواقع الذي تريد فيه رئيسة الوزراء تيريزا ماي أن تضع مستقبلها ك "بريطانيا العالمية حقا" بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي "للوصول إلى ما وراء حدود أوروبا" ولعب دور أكثر دولية. ولكن البقاء على قيد الحياة في عالم خطير - ناهيك عن القيام بأي خير لنفسك أو للآخرين - يتطلب القدرة على التعلم من أخطاء الماضي، ووقف تكرارها والوفاء بالوعود التي قطعتها. وينبغي أن يوفر الذكرى المئوية لإعلان بلفور في 2 تشرين الثاني / نوفمبر فرصة مثالية للتفكير والتعلم والعمل.
إن الصراع الفلسطيني يشترك في شيء مشترك مع عدد من الصراعات الأخرى التي تبدو غير ذات صلة، مثل كشمير وميانمار- إرث من الاستعمار البريطاني. ليس هناك أمل في "بريطانيا العالمية حقا" ما لم تعالج البلاد ذلك، يساعد على البدء في إزالة الفوضى التي قدمها، و يفعل شيئا للدفاع عن تلك التي قال انها سوف تدافع عن.
وقد قدم رؤساء الوزراء البريطانيون مؤخرا، بمن فيهم ديفيد كاميرون وتوني بلير، اعترافا مبهما بالذنب البريطاني عند مخاطبة الجماهير الدولية المتقبلة، ولكن أيا منها لم يكن اعتذارا صادقا، ولم يتم متابعتهم بأي إجراءات قوية للمساعدة في حل وتخفيف الحالات التي تسببها أسلافهم. وقد تركت تكتيكات "الانقسام والقاعدة" التي استخدمها الاستعمار البريطاني في جميع أنحاء العالم، فضلا عن المحاولات العنيفة للحد من معارضة حكمها واستعادة الاستقلال، بصمة عميقة لا تزال تشعر بها حتى يومنا هذا.
ومع ذلك، وبعيدا عن التفكير في العواقب الوخيمة للاستعمار البريطاني، ستفعل رئيس الوزراء تيريزا ماي عكس ذلك تماما من خلال الاحتفال بالذكرى المئوية لإعلان بلفور في موقع أنيق في لندن، مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو و 150 من كبار الشخصيات المختارة بعناية.
وماذا عن الوعد الوارد في الإعلان بأنه "لا يجوز القيام بأي شيء قد يضر بالحقوق المدنية والدينية للطوائف غير اليهودية الموجودة في فلسطين"؟ بريطانيا تحتاج إلى البدء في العيش حتى ذلك، في الماضي.
وماذا للاحتفال؟ ولعل الإعلان بأثر رجعي، يمكن الأوروبيين من الشعور على نحو أفضل بالقتل المروع لستة ملايين يهودي فيأوروبا خلال الحرب العالمية الثانية - الأحداث التي وقعت بعد 20 عاما من إعلان بلفور الأصلي. ويبدو أن الالتزام "بالترحيب بتأييد إقامة وطن وطني للشعب اليهودي" يبدو نبيلا من هذا المنظور، ويصرف بسهولة عن واقع استخدام العنف الوحشي لتكريمه.
واعترف السياسيون البريطانيون في وقت مبكر بأن هذه القوة ستكون ضرورية لإزالة المسيحيين العرب الفلسطينيين والمسلمين الذين شكلوا أكثر من 90 في المئة من السكان، والذين لم يتم استشارتهم حول الوعود التي قطعها البريطانيون على أراضيهم.وكان وينستون تشرشل قلق ازاء العبء المالي على اموال دافعي الضرائب البريطانيين حيث كان يعلم ان القوات البريطانية ستحتاج الى الانتشار.

ومما يثلج الصدر أنه على الرغم من فقدان الذاكرة الجماعي الذي يشجعه قادتنا ونظام التعليم والخطاب الإعلامي المهيمن، فإن المواطنين البريطانيين العاديين يستيقظون على الأعمال الكارثية التي تم اتخاذها باسم هذا البلد ويدعوون بريطانيا إلى الاعتراف بمسؤولياتها .
فهل يجب على بريطانيا أن تحتفل حقا بإعلان بلفور الذي أدى إلى بؤس لا يمكن تصوره وموته ودماره الذي واجهه الفلسطينيون على مدى ال 100 عام الماضية؟ إن إعلان 67 كلمة الذي أدلى به قبل 100 عام في خضم الحرب العالمية الأولى من قبل برلماني بريطاني ما زال هو السبب وراء الكثير من البؤس والمشاكل في المنطقة.
والبؤس المستمر الناجم عن الاستعمار البريطاني لا يقتصر على فلسطين.

آثار أقدام دموية في جميع أنحاء العالم

في آب / أغسطس، احتفلت الهند وباكستان بالذكرى السبعين لإنشاءهما كجزء من الاستقلال عن الإمبراطورية البريطانية، التي حكمت الهند لمدة 200 سنة. وقد اقتلع 15 مليون شخص، وتوفي ما بين مليون و 2 مليون شخص.
أعطيت مهمة تقسيم البلاد للسير سيريل رادكليف، وهو محام لم يكن هناك قط. ورسم خطوطا تفصل بين المجتمعات والأسر، وتدمر قرون من التقليد في ضربة واحدة من ركلة جزاءه في جميع أنحاء البلاد، وليس على عكس تأثير قلم بلفور في الشرق الأوسط.
الموت والدمار لا محالة يتبع هذا التقسيم الخام وغير المفكر، مع الهند وباكستان الذهاب إلى الحرب على أراضي كشمير علىالفور تقريبا، وهي قضية لا تزال دون حل حتى يومنا هذا. والواقع أن أول قرار للأمم المتحدة في عام 1948 يشير إلى حق الكشميريين في تقرير المصير من خلال التصويت. إلا أن بريطانيا لم تفعل سوى القليل جدا لدعم هذا الالتزام، ولا تزال كشمير رمزا لعدم الاستقرار في المنطقة.
كما حصلت ميانمار على استقلالها عن بريطانيا في عام 1948، وأجبرت الإبادة الجماعية التي يقوم بها حاليا القوميون البوذيون ما يقرب من نصف مليون من مسلمي الروهينجا على الفرار من قراهم المحترقة للهروب من الاغتصاب والقتل والعنف. ويمكن أيضا أن تعزى هذه الإبادة الجماعية إلى السياسات الاستعمارية البريطانية، ومع ذلك لم يسمع صوت الحكومة البريطانية بالكاد.ومن بين جميع الدول التي يجب أن تلعب دورا في حماية الأقلية المسلمة الضعيفة في ميانمار، يجب أن تقود المملكة المتحدةالجهود ، لأن اللوم على الصراع يمكن أن يعزى بسهولة إلى العصر الاستعماري البريطاني.
ويعيش الروهينجا في هذه الأراضي لأكثر من مائتي عام، ولكن الاستياء من التشرد الداخلي للبوذيين يعود إلى عام 1826 عندما ضمت بريطانيا الجزء من ميانمار حيث يعيش معظم المسلمين الروهينجا اليوم. تم جلب أعداد كبيرة من المسلمين الهنود ليصبحوا عمال وإداريين للبريطانيين، ولكن، مثل غيرها من الأماكن في العالم، ليس المستعمرين الذين يدفعون ثمن هذا، ولكن الناس الأبرياء العاديين.
قبل سبعين عاما شهدت تفكك الإمبراطورية البريطانية. الآن، بما أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يكسر علاقاتنا مع أوروبا، ونحن نتطلع إلى بناء شراكات مع بقية العالم، فإن الذكرى المئوية لإعلان بلفور توفر فرصة مثالية للتفكير والتعلم والعمل الهادف إلى معالجة البريطانيين التاريخيين، السياسات التي هي أصل الصراع المستمر.
ومما يبعث على الارتياح أنه على الرغم من فقدان الذاكرة الجماعي الذي يشجعه قادتنا ونظام التعليم والخطاب الإعلامي المهيمن، فإن المواطنين البريطانيين العاديين يستيقظون على الأعمال الكارثية التي اتخذت باسم هذا البلد ويدعوون بريطانيا إلى الاعتراف بمسؤولياتها.

ولهذه الغاية، يجري تنظيم تجمع وطني يوم السبت 4 نوفمبر في لندن تحت عنوان "جعله من حق فلسطين"، ومن المتوقع أن يحضر الآلاف. وعودا بأن تكون علامة مختلفة جدا لإعلان بلفور أكثر من واحد تيريزا مايو يحضر، ويجري مفتوحة وشاملة والجمهور. وهو بمثابة تذكير بأن الأحلام الإمبراطورية البريطانية لا تزال كابوسا حيا للآلاف في جميع أنحاء العالم.
                                                                       ***
فيديو لكلمة سلمى يعقوب في مؤتمر لندن

                                                                

No comments

Search This Blog